القاعدة القانونية: علاقة القانون بالقواعد والعلوم الإجتماعية الأخرى
جدول المحتويات
علاقة القانون بالقواعد والعلوم الإجتماعية الأخرى
أهلاً وسهلاً بكم أصدقاء ومتابعي آن مكس, سوف نتطرق اليوم إلى مقال يشرح علاقة القانون بالقواعد والعلوم الإجتماعية الأخرى, ونذكر أننا بمقالنا السابق تطرقنا إلى ماهية القانون, أو تعريف القانون, وخصائص القانون أو خصائص القاعد القانونية التي تتمتع بها.
إلى جانب القاعدة القانونية تطبق العديد من القواعد الإجتماعية الأخرى، وهذا يقتضي تحديد نطاق تطبيق القواعد القانونية، كذلك يوجد تأثير متبادل بين علم القانون والعلوم الاجتماعية الأخرى، وسنتناول ذلك على النحو التالي:
علاقة القواعد القانونية بالقواعد الإجتماعية الأخرى
تتزاحم القواعد القانونية مع القواعد الإجتماعية الأخرى، كقواعد المجاملات والتقاليد، وقواعد الأخلاق، وقواعد الدين، وفيما يلي نوضح ذلك:
أولاً: علاقة القواعد القانونية بقواعد المجاملات والتقاليد
قواعد المجاملات والتقاليد هي قواعد سلوك سار أفراد المجتمع على إتباعها تقوية للصلات والروابط فيما بينهم وتوثيقها، ومن أمثلة قواعد المجاملات تبادل التحية والدعوات في المناسبات وتقديم الهدايا، ومن أمثلة قواعد التقاليد ما يتعلق بالمظهر أو الملبس، وهذه قواعد يتبعها الناس جيلاً بعد جيل إلى أن يأتي من يعدل عنها.
وتتفق قواعد المجاملات والتقاليد مع القواعد القانونية في أنها تنظم سلوك الأفراد في المجتمع على نحو يجعلهم يشعرون بأنها ملزمة، غير أن ذلك لا ينفي الإختلاف بين قواعد القانون وقواعد المجاملات والتقاليد، وتتمثل أوجه الإختلاف في النقاط الآتية:
- من حيث الجزاء.
يقتصر الجزاء المترتب على مخالفة قواعد المجاملات والتقاليد على استهجان الجماعة، بينما الجزاء المترتب على مخالفة القواعد القانونية هو جزاء مادي توقعه السلطة العامة على المخالف، والسبب في ذلك يرجع إلى إختلاف قيمة المصالح التي تهدف إلى تحقيقها كل من تلك القواعد، فالمصالح التي تهدف القواعد القانونية إلى حمايتها ضرورية تتمثل في تحقيق الاستقرار والأمن في المجتمع، أما المصالح التي تهدف قواعد المجاملات إلى تحقيقها فلا ترقى إلى المستوى الذي يجعلها ضروري لإقامة النظام الاجتماعي.
- من حيث الوضوح.
تتسم قواعد المجاملات بالغموض على عكس القواعد القانونية التي تتسم بالوضوح والتحديد. وقد تتحول قواعد المجاملات والتقاليد إلى قواعد قانونية إذا ارتقت في ضمير الجماعة وأصبحت واجبة الاتباع، حيث يتدخل المشرع ويفرض قاعدة من قواعد المجاملات بحيث تصبح قاعدة قانونية ملزمة، ومن الأمثلة على ذلك القواعد الخاصة بمعاملة أفراد السلك الدبلوماسي كاستقبالهم بحفاوة، فقد كانت في أصلها مجاملات دولية، ثم أصبحت عرفاً دولياً ملزماً، كذلك فرض زي معين على طائفة من الناس كالمحامين، فقد كانت في أصلها عادة غير ملزمة ثم أصبحت ملزمة بنص القانون.
ثانياً: علاقة قواعد القانون بقواعد الأخلاق
من الصعب وضع تعريف جامع للأخلاق، غير أنه يمكن القول أن الأخلاق هي مجموعة المبادئ والقواعد السائدة في أمة معينة، والتي تساهم في تكوين أفكار الناس عن الخير والشر، وترسم المثل العليا لما يجب أن يتحلى به الإنسان.
وتتفق قواعد الأخلاق مع القواعد القانونية في أن كليهما ينظم سلوك الأفراد في المجتمع، وقد تلتقي قواعد القانون مع قواعد الأخلاق، فمثلاً قواعد الأخلاق تحث على الوفاء بالعهود، وقواعد القانون توجب الوفاء بالالتزامات، كذلك فإن كل من قواعد القانون والأخلاق تمنع الإثراء على حساب الغير، وقد تخالف قواعد القانون قواعد الأخلاق، مثال ذلك أن قواعد القانون تنص على التقادم المسقط والمكسب، كذلك توجد قواعد قانونية لا علاقة لها بالأخلاق كقواعد الاجراءات القضائية، كما توجد قواعد أخلاقية لا علاقة لها بالقانون، كإغاثة البائسين، والتصدق على الفقراء..الخ.
وبالرغم من تشابه قواعد الأخلاق مع قواعد القانون، إلا أن ذلك لا ينفي الاختلاف بينهما وتتمثل أوجه الاختلاف في النقاط الآتية:
- من حيث الجزاء.
فالجزاء المترتب على مخالفة القواعد القانونية هو جزاء مادي توقعه السلطة العامة على المخالف، بينما يتمثل الجزاء في مخالفة قواعد الأخلاق في استهجان الجماعة.
- من حيث الغاية.
الغاية من القواعد القانونية إقامة الاستقرار والأمن في المجتمع، أما الغاية من قواعد الأخلاق فتتمثل بالسمو بالنفس الإنسانية.
- من حيث الوضوح والتحديد
تتميز قواعد القانون بالوضوح والتحديد، أما قواعد الأخلاق ليست كذلك، فهي عبارة عن أحاسيس داخلية مستقرة في ضمير الأفراد.
ثالثاً: علاقة القواعد القانونية بقواعد الدين
الدين هو مجموعة القواعد التي يسنها الخالق لعباده، أياً كان الدين السماوي وأياً كان مصدر القاعدة الدينية، والدين الإسلامي أكثر الأديان شمولية، فهو شريعة وعقيدة، أي دين ودولة، حيث وضع أحكاماً صالحة لكل زمان ومكان ويلتقي الدين مع القانون في بعض الحالات، فمثلاً كلاً من الدين والقانون يمنعان القتل والسرقة والزنا، والاعتداء على الغير…..الخ.
- الفرق بين قواعد القانون وقواعد الدين
تتمثل نقاط الاختلاف بين القواعد القانونية والقواعد الدينية في الأمور التالية:
- من حيث المصدر.
حيث إن مصدر قواعد الدين من عند الله، أما مصدر القواعد القانونية فهو الإنسان، لذلك فإن قواعد الدين تتسم بالكمال بينما قواعد القانون تتسم بالنقص.
- من حيث الجزاء.
فالجزاء في الدين يتصف بأنه أخروي، ولكن هناك بعض الجزاءات التي تطبق في الدنيا كالحدود هذا في حال ما إذا كانت الدولة تطبق الشريعة الاسلامية، أما الجزاء في القانون فهو جزاء دنيوي تطبقه السلطة العامة.
- الشريعة الإسلامية تحاسب على الأعمال التحضيرية والخارجية، أما القواعد القانونية تطبق على الأعمال الخارجية فقط.
- الشريعة الإسلامية صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان لأن مصدرها من عند الله، أما قواعد القانون فليست كذلك بل تتطور من زمن إلى آخر لأنها من صنع الإنسان الذي يعتريه النقص.
- الشريعة الإسلامية تنظم علاقة الإنسان بربه وعلاقته بأخيه الإنسان، أما القواعد القانونية تنظم علاقة الإنسان بأخيه الإنسان فقط.
علاقة علم القانون بالعلوم الاجتماعية الأخرى
أولاً: علاقة علم القانون بعلم الاجتماع
توجد علاقة وثيقة بين علم القانون وعلم الاجتماع، فعلم الاجتماع يهتم بدراسة الظواهر الاجتماعية، ومن هذه الظواهر القاعدة القانونية، ومن هنا ظهر علم الاجتماع القانوني، والذي يهتم بدراسة سلوك الناس إزاء القواعد القانونية.
والدراسات التي يقوم بها علماء الاجتماع للقواعد القانونية، من شأنها تقييم مدى نجاح أو فشل المشرع في وضع قواعد قانونية تلائم الواقع الاجتماعي، وعلى ضوء الدراسات المذكورة يمكن الإبقاء على القواعد القانونية، أو تعديلها، أو إلغائها.
فإذا بينت الدراسات انخفاض عدد السكان، فإن المشرع يتدخل بوضع قواعد قانونية تخفض سن الزواج، وإذا بينت الدراسات ازدياد معدل الجريمة، يتدخل المشرع ويضع قواعد تشدد العقوبة..الخ.
ثانياً: علاقة علم القانون بعلم الاقتصاد
يختلف علم القانون عن علم الإقتصاد من حيث الموضوع ومن حيث الهدف، فمن حيث الموضوع يهتم علم الإقتصاد بالثروة، بينما يهتم القانون بالثروة وغيرها فهو لا يهتم بالثروة فقط.
ومن حيث الهدف فهدف علم الإقتصاد وصفي وتحليلي وتوقع الظواهر الإقتصادية، أما هدف القانون فهو وضع قواعد تحكم الحصول على الثروة ونقلها.
ولكن هذا الاختلاف لا ينفي وجود علاقة بين علم القانون وعلم الإقتصاد، فالإقتصاد في دراسته للظواهر الاقتصادية لا بد وأن يأخذ في الاعتبار الإطار القانوني، والقانون لا بد أن يأخذ في اعتباره الواقع الإقتصادي، فمثلاً عند وضع قانون للضرائب لا بد وأن يؤخذ في الاعتبار مصادر الثروة.
كذلك فإن القانون يوضع على حسب المذهب الإقتصادي الذي تأخذ به الدولة، ففي الدول التي تأخذ بالاقتصاد الحر يعطي القانون للأفراد حرية كبيرة، في حين لا توجد هذه الحرية في الدول التي تأخذ بمذهب الإقتصاد الموجه. وقد أدى الترابط بين علم القانون وعلم الاقتصاد إلى ظهور فرع جديد من فروع القانون يسمى القانون الإقتصادي.
ثالثاً: علاقة علم القانون بعلم التاريخ
توجد علاقة وثيقة بين علم القانون وعلم التاريخ، حيث يتم الوقوف على تطور النظم القانونية والإجتماعية والإقتصادية ويهتدى بها في وضع القواعد القانونية. وهكذا يستفيد المشرع من تجارب الماضي عند وضعه للقواعد القانونية.